دأبت وسائل الإعلام الغربية وبعضها من العربية على تصوير الرجل المسلم بصورة قاسية، همجية، جافة، لا تعرف الرحمة طريقها إلى قلبه، يتبعه نسوة من خلفه لا حول لهن ولا قوةّّ!! وهو تصوير ظني به إمتداد الصورة الأولى المأخوذة للرجل الجاهلي، الذي لا يتورع عن دفن فلذة كبده وهي حية!!
أما الزوجة فكانت إذا توفي عنها زوجها: دخلت حفشاً ضيقاً مبني من خوص أو غيره ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة -حمار أو شاة أو طائر- فتمسح به جلدها فيموت ثم تخرج!!
ويشهد لذلك قول عمر بن الخطاب في البخاري: كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئاً، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأين لهنَّ بذلك علينا حقاً.
ثم يأتي المنهج القولي والفعلي لنبي الرحمة مع زوجاته فكانت بحق:
محبةُ صدقٍ لم تكن بنتَ ساعةٍ *** ولا وُريت حين إرتفاد زنادها
ولكن على مهلٍ سَرت وتولدت *** بطول إمتزاجٍ فإستقرّ عمادها
فها هي عائشة تحدث عن خديجة رضي الله عنهما أولى زوجاته فتقول: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة.. ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين لما كنت أسمعه يذكرها... ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت من قصب وكان يذبح الشاة ثم يهديها إلى صديقاتها!!
فلم يكفّ صلوات الله وسلامه عليه عن ذكرها والثناء عليها الحسن بإنتهاء العلاقة الزوجية في الدنيا، بل يصل حتى صديقاتها معيداً إلى أذهانهن حُسن عشرتها معهنّ، ومردداً لطيب ذكرها على أفواههنّ!!.
ولا أدلّ أيضاً على صدق مودته ورحمته بنسوته من إحتماله لزوجاته، وما يحدث بينهن من إرتفاع الصوت وخصومة! علاوة على ما يعانيه من معالجة للوحي وتدبير للأمة، وليس هذا لنقص فيه وحاشاه، ولكن لعلمه بما ركبَّه الله في المرأة من رقة الطبع وجيشان العاطفة!!
ثم يأتي أبو بكر الصديق الذي يتدفق رحمة، فكان بحق كما قالت عنه إبنته عائشة: رجلٌ أسيف -أي سريع الدمعة- لا يملك نفسه من البكاء إذا سمع القرآن.
ثم مع كثرة مشاغله لا يغفل أن يوصي الجيوش الإسلامية بعدم التعرض للنساء والأطفال والشيوخ بالقتل والإيذاء!!
ثم ما ظنك برجلين نهلا من معينه المعطاء، فعبد الله بن أبي بكر الصديق يقول في زوجته عاتكة عندما رأى والده أن من الأصلح له طلاقها ل[نشغاله بها عن الجهاد:
يقولون طلَّقها وخيّم مكانها *** مقيماً تمنى النفس أحلام نائمِ
وإن فراقي أهل بيت جمعتهم *** على كرهٍ منى لإحدى العظائمِ
ثم تتجلى الرحمة الأبوية عندما يسمعه قائلاً:
و لم أر مثلي طلق اليوم مثلها *** ولا مثلها من غير جرم تطلق
فيأذن له والده بإرجاعها!!
أما الخليفة عمر بن الخطاب، فقد خالطت رحمة الإسلام شغاف قلبه، وجعلته يفيض رقة، فعندما يتشفع الحطيئة عنده بهذه الأبيات:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ *** زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
تفيض عيناه بالدموع!!
وعثمان بن عفان -ذي النورين- وهو جدير بهما، فحيي به رجلاً بلغ الحياء عنده مبلغاً عظيماً حتى إستحت منه الملائكة!
فيحكي عن نفسه عند سماعه لخط رقية البضعة النبوية، لعتبة بن أبي لهب فيقول: دخلتني حسرة ألا أكون سُبقت إليها، ثم يشاء الله أن يتزوج بها بعد ذلك، فيضرب مثلاً رائعاً لجميع الأزواج بتقديره وحنوه عليها حتى في اللحظات الأخيرة من حياتها، فيمكث لتمريضها والقيام عليها، فيتخلف عن غزوة بدر! فيُكبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموقف الرائع ويضرب له سهماً!!
أما الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو من تقلب في كنف النبي صلى الله عليه وسلم شاباً يافعاً، نراه يزفر الحسرات زائغ النظرات، عندما يوسد البضعة النبوية وسيدة نساء العالمين فاطمة الهاشمية في قبرها قائلاً:
لكل إجتماع من خليلين فرقة *** وكل الذي دون الممات قليل
وإن إفتقادي واحداً بعد واحد *** دليل على أن لا يدوم خليل
وما ظنك برجل عليّ أبيه وفاطمة أمه، والنبي صلوات الله عليه وسلامه جدّه! هو الشهيد الحسين بن علي حيث يصدح بها عالية حاكياً ما يعتمل في صدره من مودة لزوجته الرباب وإبنتها:
لعمرك إنني لأحب دارًا *** تحل بها سكينة والربابُ
أحبهما وأبذل جلّ مالي *** وليس للائمي فيها عتابُ
ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً *** حياتي أو ليعلوني الترابُ
أما الراكب المهاجر أبو سلمة وقد إستلقى على فراشه يعالج سكرات الموت وألم الفراق، وبجانبه زوجته أم سلمة تغالب الغصات وفاء بحقه حتى الممات، قائلة له: بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة، ثم لم تتزوج بعده إلا جمع الله بينهما في الجنة.
قال: أتطيعينني؟
قالت: ما استأذنتك إلا وأنا أريد أن أطيعك!
قال: فإذا مت فتزوجي، ثم قال: اللهم إرزق أم سلمة بعدي رجلاً خيراً مني لا يؤذيها ولا يخزيها.
فلله درها من كلمات بلغ بها قمة الإيثار في لحظاته الأخيرة، عندما يطلب منها الزواج بغيره ثم يتبعها بالإبتهال إلى الله أن يرزقها زوجاً لا يؤذيها، يريد الإيذاء الجسدي، ولا يخزيها يريد الإيذاء النفسي.
الكاتب: فوزية الخليوي.
المصدر: موقع رسالة المرأة.